أيّامٌ جديدة، مع معهد مفكّر  

Posted by: زَينبْ in



تلك الأيام التي تنعشك، وتعيدُ فيكَ شيئًا من ذاكرة مضى عليها ما يزيد عن خمسة أعوام
بين مقاعد الدراسة.. وقلقها، وتعداد الأيام والثواني قبل هذا الموعد وذلك..
كيف تنجز في الوقت المطلوب، وكيف الجدّ والسّهر على كتاب لا تقرؤه لتفرغ ما فيه في ورقة ما..
ثم تملّ ولا تفكر بالعودة إليه!

بل تقرؤه لأنّكَ تبحث عن شيءٍ، تكوّنُ منه فكرة .. تلك الفكرة التي تقودكَ لمزيجٍ من الأفكار التي تتصارع وتختلف وتلتقي في الوقت ذاته.
كلها أمور افتقدتها كثيرًا، وعدت لأمارسها دون القيود السابقة، مع معهد مفكر


منذُ أن سمعت عن المعهد في برنامج علّمتني الحياة لـ د. طارق السويدان، وأنا أفكر ماذا لو كنت؟ ماذا لو التحقت؟ وهل سأستطيع؟

ويوم بدأ الإعلان عن المعهد على صفحات الفيسبوك، وقرأتُ عنه، بدأت أشعر ببعدي عنه.. وصعوبة مقدرتي على الالتزام فيه
لكنني حاولت قدر الإمكان أن لا أجعل الاستحالة هي الفكرة التي أواجهه بها،
وبعد تفكير التحقت وكعادتي قبل آخر موعدٍ للتسجيل.. فجأة!


أعلم جيّدًا أنّ رحلة الفكرِ طويلة وأنها تحتاج عمرًا بأكمله،

وتعتمد على مقدرة الفرد وتحمّله لمشاقّ هذا الطّريق، لذلك لم يكن هدفي من الالتحاق بالمعهد أن هذا المسمّى بحدّ ذاته! وإنما لأجد ذاتي أكثر فيه،
ولأضع قدمي على أولى الخطوات التي تنمي فيّ ملكة التّفكير، وحبّ المعرفة،

وبالنّسبة لي مرور الإنسان بتجاربَ عمليّة بمثابة التحدّي الذي يجعله أكثر صدقًا مع نفسه، ولن يخسرَ فيهِ بقدرِ ما يكسب.

والمثير في منهجية الدراسة في المعهد هو دفع الطالب للتعامل مع ما يلجُ ويخرج من هذا العقل بكفاءة أفضل، بعيدًا عن الحشو والإلزام بنمطية معينة في الفكر والتفكير، التي تدفنك أكثر ممّا تحييكَ وتلغي ذاتكَ حين تفرض عليكَ أن تكون نسخة عن إنسانٍ آخر في كل شيء!

،

درسنا في هذا الفصل عن :

- العلمانية، وكان منهجًا دسمًا مع د. رفيق عبد السّلام، حاول فيه الاختصار والشمولية قدر الإمكان بالرغم من أن الموضوع متشعّب ومتشابك.. علمتُ حقًّا كيف تُبخس الفكرة بتبسيطها أو اختزالها بمفهوم جزئي قد لا يعبّر إلا عن جزيءٍ صغير منها! وتعلمت منهُ كيف أن البحث المضني والمتواصل وإن استمر لعشراتِ السنين ماهوَ إلا مقاربة! ومحاولةُ لإيجاد حلول
لا يوجد حل واحد قطعيّ يمكنُ أن يجزمَ به المرء ويظلُّ - بذات الفهم والرّؤية - صالحًا لغيرِ زمانِهِ.

- الفقه السياسي مع د. محمّد الشّنقيطي، كل ما أريد قوله هو أنّها أفكار صادمة تمامًا بالنّسبة لي ربما هي المادّة التي أخذت الكثير من الوقت في الاستيعاب، ومحاولة ترتيب الأفكار لدى من لم يقرأ يومًا في السياسة كعلم، حمّستني ودفعتني للقراءة في السّيرةْ وتأسيس الدولة المدنيّة بشكلٍ مُغاير.

- النهضة الحضارية مع د. جاسم السلطان، المادة المُنعشة،
الأذكى في طريقة الطرح إن صح أن أقول ذلك!

فما إن تنهي من سماع المحاضرات وهضمها، والاطلاع على المرجع الأساسي المحدّد حتى تشعر أنك بخير، ثُمّ تُفاجأ بأنّك لا تستطيع الإجابة على أسئلة البحث إلا بالتنقيب العميق في مراجع أخرى ومحاولة تفكيك الأفكار والخروج بفهم مبسّط، هذا الفهم أيضًا كان بحاجة لفهم!

- مادة فقه الاختلاف مع د. عصام البشير،  محاضراتها كانت سلسلة وجميلة إلا أنها احتاجت لقراءة وتوسع في المراجع.

- الواجب الفكري، هي المادة الأعمق أثرًا حتى الآن، فمحاضرات د. حسن بن حسن تضمّنت العديد من الأفكار التأسيسيّة المُرشدة لبداية الطريق.. وتحديد معالم المسار الذي نرغب في خوضه بأنفسنا.


بحمد الله سلمت الأسئلة البحثيّة،
كانت المرة الأولى التي أقضي فيها أواخر رمضان والعيد في بحث واعتكاف متواصل على الكتب!

وأحزنني أن الوقت الضيّق لم يسعفني في تقديم كل المواد،
وسأحاول في المرات القادمة لو تيسّر لي الإتمام أن أتلافى الأخطاء التي وقعت بها:

- تأخر بدئي في حل أسئلة بعض المواد على حساب أخرى - سحرتني وأخذتني بعيدًا معها -!

 
- عدم الاعتماد على نسخ الكتب المتوفرة إلكترونيًّا، توفير النسخ التي عليها حقوق مطلوب لكنه يمكن أن يكون في وقت لاحق، فندرة المراجع لدينا كانت أكبر عائق واجهني وأخّرني عن البحث.

 
- تأمّل الأفكار الكليّة بموازاة معرفة التّفاصيل الجزئيّة، وتشكيلها حسب الفهم والرّؤية،
لأنّ الغرق في التفاصيل دون تدوين الأفكار الأساسيّة لا يمكّنك من التقديم لأي موضوع والعرض عنه بطريقة مختصرة ومفيدة، بالتّالي يصعب عليك صياغة المبحث المطلوب برؤية دقيقة وشاملة في الوقت ذاتِه.



- الاطلاع على الأسئلة واستيعاب المطلوب منها قبل تلخيص المحاضرات، وتدوين أفكارها الرّئيسيّة التي بحاجة لبحث، ثم القراءة في المراجع وصياغة الإجابة.

التّجارب الأولى، دائمًا ما نعجزُ عن استيعابِ مرورها سريعًا، 

ونتمنّى لو نعودُ للوراء ونستمتع بكل لحظاتها ونقدّرَ كل درسٍ فيها وفكرة.. موقفٍ وكلمة،
لذلك دائمًا ما أحرص على تدوينها : )




. . . . .

أشكرُ القائمين المعهد، ومديرنا أ. عبد العزيز العوضي على تعامله الرّاقي ومرونته،
ولأصدقائي في المعهد، على الروح التي أُكبرُ فيها الطّموح، فما إن تقترب منها حتّى تملؤك نفحات الأمل والتّفاؤل..
ولوالدتي - حفظها الله - التي تحمّلت تقصيري، وأخي وأخواتي على دعمهم وتحمّلهم
أسأل الله أن ييسر لنا طريقنا ويرزقنا علمًا ينهضُ بنا وننهضُ بهِ.