[ ونفسٍ وما سوّاهَا  

Posted by: زَينبْ in


[ ونفسٍ وما سوّاهَا


,


بسم الله والصلاة والسلام على حبيب الله، سيدنا وحبيبنا محمّد
أودع الله النفس البشرية كوامنَ عميقة، وعقلًا وتركيبة جسدية ونفسية
من خلالها يتشكل كيان الإنسان , وبالتالي توجّهه وسلوكه الإنساني
مستمدًّا ذلك من كوامنه مستجيبةً لما حوله الأثر ومقدرة البيئة على صياغة تلك السلوكيات في أي إنسان حقيقة
لا نستطيع نقضها وأهميّتها،ولكن ربما غاب عن أذهان الكثير من المربّين
ما هو أهم من ذلك وهو فهم طبيعة هذاالإنسان، فهمه لذاته دونَ انطلاقٍ
لبناء نظريّات حول بيئته وتبعاتها وما يناسبها ويؤهله لالتزام سلوكٍ معيّن تجاهها


لا شك أن الدور يختلف بين مؤسسة تربوية تعليمية، أو غير ذلك، وبين الأثر المباشر للتربية الأسرية
والتي يقوم بها الآباء والأمهات
، لكن بغض النظر عن ذلك كله وحتى لا نخوض في تفصيلات تشتت الفكرة ..
ما زلت أتساءل ، لمَ نتلهّف لقراءة نتاج الآخرين في نظريات السلوك والتربويّات
سواءً من المفكرين أو الأساتذة المربّيين أو غيرهم ولا نخلق نمطًا خاصًّا لكل فرد
ليتمتّع بعناية لمتطلّباته وطبيعته وقدراته دونَ مشاطرة لتجارب الغير أو تطبيق لفهم نظري على اختلافه
كأن يكون حقلًا للتجارب!
,

الدراية والقراءة لما اختصره العلم والسابقون ممّن لهم باع في هذا المجال
تختصر لنا تلك المعارف التي جمعت، ولكنّ ذلك لا يتطلب منّا التزامًا وتطبيقًا بما جاؤوا به
متغافلين عن حقيقة ما يطلبه الطفل أو المراهق منا، وهو ذو حالة فريدة ..



ومن ناحية أخرى، أرى أن الأساس هو فهم طبيعة هذا الإنسان، وقد عمد بعض التربويين لاعتماد هذا الأساس
والانطلاق منه

فهم طبيعة الإنسان عامّة، وكل حالة خاصة دونَ إسقاطها على أمثلة
قد تتفاوت في تقارب طبيعتها منها وقد تمتزج بعدة أصناف لفرد واحد
أي لا تخضع لنمطٍ واحد من الشخصيات أو الطبائع التي يجتهد بها التربويون والنفسانيون،
وقد أفرد بعضهم فلسفة إسلاميّة خاصّة وبإسهاب حول التصور الإسلامي الصحيح للإنسان ومنهم د.جعفرإدريس.


,


وخلاصة ما أشار إليه، أنّ ما لدينا من دلائل في القرآن الكريم
يختصرلنا تلك الأبعاد في مفهوم واحد، وهو أنّ الإنسان قد خُلق وجبل على الفطرة،
والفطرة تطوي الطرائق التي قد نتكلف مشقّة الوصول إليها
بكثرة الضوابط والقوانين وما إلى ذلك
وتلك الفطرة هي الخير، فكل قيمة إيجابيّة هي الأساس والأصل ومنها ما جُبل عليه البشر
وما عداها هو انحرافٌ عنها، فهناك الكثير مما يثبت أن الخير هوالأساس
والانحراف عنه عكس الطبيعة البشرية ونقضٌ لأساسها،
فكل نفس فطرت على عقيدة صافية نقية
سخرت لها الإرادة التي لا تنافي إرادة الله النّافذة
وذلك برسم طرق الخير والشر وتمكينها من الاختيار،
فلها أن تسلك أيّها شاءت "إنّاهديناهُ السّبيل إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا"


وقال جلّ وعلا "ونفسٍ وما سوّاهَا"
ماذا يعني بـ"سوّاها"هنا؟
أهو الخلق في أساسه والحسنه وكماله على الصورة التي أبدعها فقط؟
للفظ عمق ودلالة وهو ما لجأ إليه كثير من المفسّرين،
فما يرد في هذا الكتاب المعجز ليس معنىً مباشرًا
وإنّما عمقًا وشمولية تنتظر منا التأمل والتفكير ثم القياس عليها
سوّى، أي سوّاها على الفطرة السويّة كما سوّى خلقها
وإلا لم تُلحق الآية بتحديد المصائر وتبيان قدرة الإنسان على اختيار طريق الخير أو الشر،
البداية هي الفطرة والإنسان بطبيعته خيّر منّة من الله وفضل عظيم
فقد سوّاه خلقًا مستويًا وهيّأ له أسباب الحياة،
وزرع البذرة التي يشكلها هو ومن حوله في صغره وينمّيه التكبر كما هي خيّرة منجذبة للخير
أو تنحرف عن المسار نتيجةً لسلوك خاطئ أو آثم فتبلى "فألهمها فجورها وتقواها"
وكما قال سبحانه في سياقٍ آخر"فطرة الله التي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق الله"
وكأنه يحثّنا سبحانه أن نرعى ثمرة الخير والجذر الصّالح
وننمّيه دون تبديل وانحراف في طريقه
وهذا الفهم في ذاتهِ ييسر علينا الانطلاقة والبدء،
وأخذ تلك العلوم والمعارف على أنّها قوّة إضافية لنسير على الطريق،
ولكنها لم تكن أساسًا مطلقًا
وحين نفطن أنّ كل بذرة بين أيدينا، أطفالنا، ونفهم نفسياتهم
ونمنحهم المعارف والسبل التي تنمّي هذه البذرة
وتجنّبها عن الشرور، فلن نتخبّط في ممارسات خاطئة
تنافي الهدي الإسلاميّ والتربية في حقيقتها،
أو نتنطّع بمثاليّات وفق أسس وقوانين تربويّة قد تنحى منحىً خاطئًا
وتعطي نتاجًا سلبيًّا،
ونحن نرهق بها أذهان أطفالنا ونقيّد حريّاتهم


,


أخيرًا، نعرّج على أهم النقاط التي نخرج بها من هذا التصوّر:


فهم طبيعة الإنسان وما هو الإنسان الذي نتعامل معه، وما أصله ومستودعه النفسي الفطري
هو ما يقود نحو الفهم الصحيح لبناء تربويّ حسب التصور الإسلامي لطبيعة هذا الإنسان.


غاية التربية هي رعاية الخير بداخله وتمكينه في حياته، وفهم غاياتِهِ المستقلة وحاجاته
بعيدًا عن إسقاط سلوكياته على أنماط أخرى قد تتفاوت بطبيعة تفاوت البشر.

كثرة التشتّت بين نظريات المربيين أمرٌ له سلبيات بقدر إيجابيات المعرفة واستخلاص العلوم التي تعين المربّي،
فمهما يكن فتلك العلوم أبحاث بشر وليست مناهج سماويّة، وقد يفوق المربّي العارف بالمنهج السماوي والمتأمل فيه
– وإن لم يحز على قدرٍ كافٍ من العلم –غيره ممن حاز العلم وأغرق فيه،
إنما المعارف والعلوم تعين وتكسب القوة، ولكنّ الأصل فهم الغايات حسب التصور الإسلامي الصحيح والهدي النبوي.
ولا شكّ أن القرآن منهجًا للحياة بجميع جوانبها وحيثيّاتها، حتى النفسيّة منها والتّربويّة، وكذلك السنة هدي يُتّبع


,

This entry was posted on Saturday, July 11, 2009 and is filed under . You can leave a response and follow any responses to this entry through the Subscribe to: Post Comments (Atom) .

2 comments

كلام جميل,,

بالنسبة للفطرة
تسود في مجتمعاتنا وتنبع من أوساط تعتبر أحيانا محسوبة على مجموع المثقفين, بأن الدين الإسلامي دين الفطرة
في غياب لمعنى الدين والإسلام ومعنى الفطرة..
فقطعا ليست الفطرة هنا الالتزام "باجتهاد فقهي" عفى عليه الزمن وألزم الأجدادب الأباء به وكذا فعل الأباء بالأبناء..الخ

ولست هنا لأطرح تعريفا قاطعا للفطرة, ولكني أفهمها الروح الكامنة في روح الجسد التي هي من روح الله فهي جشيء من قيم الحق والخير والجمال جزء من مصدرية مطلقة لتلك القيم...

ولكن التطبيقات السلوكية هي التي تختلف ضمن معطيات زمانية ومكانية ..

وإن من ثبات المبادئ أن المبادئ ترجح فهي مبادئ وليست "جدران صماء" لاتتفاعل ولاتراعي النزعة والحاجة الإنسانية, وليست جهدا بشريا "يسهو" عن معطى زماني أو مكاني ما..

ولذلك فالمعياريرة السلوكية في تصوري لابد وأن ينظر على أنها متقلبة ومتغيرة عن بيئة وأخرى.

مادامت تنبع من ذات القيم وتتجه نحو ذات الغايات والمقاصد.
والمقاصد والغايات ماجعلت لتعمي بصرنا وبصيرتنا بكثرة تردادها وادعاء الارتباط والعمل لها .. وانما بابداع التطبيقات والمنهجيات المتلائمة مع الواقع وعلاج سلوكياته ضمن منهجية تفهم المعطيات للتعامل معها أكثر من كونها تصادمها فتخسر كيانها مع طول الزمن.

فألهمها فجورها وتقواها
وكرمها بالحرية ضمن سنن الطبيعة "العادلة مع الجميع حتى على نفسها" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر هذا في أساس الاعتقاد والتصور,,
فما بالنا في تفاصيله التي تحكمها المصلحة ومعطيات الزمان والمكان ..
فيهم سلوك ما ضمنها .. وليس متعاليا فوقها .. فالتعالي فوقها يظنه الحمقى صعودا نحو المثل والحقيقة أن تعطيل لها بتجاهل الحقيقة
وهنا يبرز المحلل والمنظر الفاهم للتكامل وبين المفكر البسيط الذي يتشبث بفكرة ونهج وطريقة لايحيد عنها خوفا من مشقة تنظير وتفكر جديد.


وكذا مع النتاج المعرفي في أي علم,,
انه يبدأ في زمن ما "بدعة من البدع" فيكثر متعاطوها .. فيصبح هناك نوع من الوفرة والكثرة
فننتقل لمرحلة من "التميز" الساعي للتكامل بين أفضل المتوفر,
لتبدأ بعد ذلك مرحلة من صياغة بدعة جديدة وهكذا دواليك,,,

تمنياتي بالتوفيق
أطلت لأن الموضوع يهمني وقد كتبت عنه أكثر من مره,,
تحيتي واحترامي : )

السلام عليك
تتمتعين بموهبة تحسدين عليها
كلامك جميل وفيه من الحكمة والبلاغة
اتمنى لك المزيد من التألق

محمد من الجزائر

Post a Comment