الإنسان بين المظهر والجوهر - قراءة سريعة  

Posted by: زَينبْ in





الإنسان بين المظهر والجوهر

لـ إريك فروم



ممتع ومدهش للمُهتمّ بفهم فلسفة النّفس البشريّة،
يركّز على سيكولوجيّة الإنسان الحديث في عصر الآلة والاستهلاك..

تدور الفكرة الرّئيسيّة حول المقارنة بين نمطيّ الوجود
"التملّك والكينونة"
بعرض أمثلة مفصّلة ونماذج لكلّ منهما في مجالات شتّى، ونقدها.

نمط التملّك؛ هو العلاقة الملكيّة بين الإنسان والموجودات حوله: أبرز صفاتها الأنانيّة والاستهلاك، والتعلّق بظواهر الأمور والأشياء.
والعلاقة غير الحيّة ولا المتفاعلة التي تُلغي المسافة بين الذّات والشّيء وتماثل بينهما.

نمط الكينونة؛ وهي العلاقة الحيّة المتفاعلة بين الإنسان والموجودات، تميّزها المشاركة التي تحافظ على خصائص الذّات والهويّة الإنسانيّة، متجاوزةً المظهر إلى الجوهر والمعنى.


أمثلة سريعة للتّبسيط:

في الحبّ حين يعبر الشّخص عنه كفعل أو كملكيّة

"أنا أحبّ فلان - أنا واقع في حبّه"
"أنا لديّ أو عندي حبيب"!

في التّعبير عن "امتلاك المعرفة"، والاعتبار بكمّها.. حيث همّ الشّخص هو الكمّ الذي خرج به من المعلومات
والشّهادات ويضيفه لرصيده المعرفيّ، حتى الطلبة يُقاس مستواهم العلمي بما يملكونه من معلومات
ويفرّغونه في ورقة الإجابة، لا بما يفهمونه ويعونه منها!

وبين التّعبير عن المعرفة كنشاط وفعل، يستمرّ بالتّفاعل معه ويدفعه ذلك لإيجاد مساحة عمليّة لتطبيق أفكارِه
 بمزيد من الوعي الحقيقيّ، والفهم.

اقتباسات من الكتاب

"في نمط التّملّك لا توجد علاقة حيّة بيني وبين ما أملك، فأنا وما أملك أصبحنا جميعًا أشياء، وأنا أملكها لأنّ لديّ القوّة التي تمكّنني من جعلها ملكي،
ولكن ثمّة علاقة عكسية أيضًا، فهي تملكني لأن إحساسي بهويّتي أي إحساسي بصحّتي العقلية يتوقّف على ملكيّتي لها ولأكبر عدد ممكن من الأشياء،
إن نمط الملكيّة لا يقوم على (تفاعل) حيّ ومثمر بين الذّات والموضوع، وإنما هي علاقة تجعل من الذّات والموضوع أشياء والعلاقة بينهما علاقة موات، وليست علاقة حياة"


"دوافعنا الواعية وأفكارنا ومعتقداتنا ليست إلا مزيجا من معلومات زائفة وتحيّزات وأهواء لاعقلانيّة وتبريرات ذهنيّة، ليست إلا بحرًا من تعصّب وأفكار مسبقة تطفو على سطحه شذرات من الحقيقة تطمئننا - وإن تكن طمأنينة زائفة - على أنّ المزيج كلّه حقيقيّ وصادق"


"من الأمور المغرية إلى درجة تصعب مقاومتها أن يظلّ الإنسان حيث هو، لا يتقدّم، وأن يُحجم، وبتعبير آخر أن يركن إلى ما يملك. لماذا ؟ لأننا نعرف ما نملك ونستطيع أن نتعلّق به ونشعر في ذلك بالأمن والأمان. 
فنحن نخاف المجهول، بل نخاف ما لسنا متأكدين منه... لا أمن ولا أمان إلا في الأشياء القديمة المجربة، أو هكذا تبدو ظواهر الأمور، فكلّ خطوة جديدة تحمل مخاطر الفشل..
وهذا من بين الأسباب التي تجعل الناس يخافون كلّ هذا الخوف من الحريّة."

،


"سيتبيّن النّاس أن أغلبيّة سلع الاستهلاك الحاليّة لا تتسبّب إلا في تثبيط النّشاط الإنسانيّ؛ سيتبيّنون أنّ الّشغف بكلّ ما هو جديد وكل ما هو سريع - وهو شغفٌ يسعون لإشباعه بمزيد من الاستهلاك - ليس إلا انعكاسا لما يعانون من قلق ورغبة في الهروب من الذّات، وسيتبيّنون أنّ بحثهم الذي لا يتوقّف عن شىء جديد يفعلونه أو شىء جديد يستهلكونه ليس إلا وسيلة يقي بها الشّخص ذاته من أن يكون قريبًا من ذاته أو من أيّ شخص آخر!"



..

التشبّهُ بالموتى  

Posted by: زَينبْ in







‎"أراد التّشبّه بالموتى، الأمر الذي ينم عن قدر أكبر من الحكمة،
فباعتبار أن الموت والخلود يشكلان زوجا لا ينفصم من العشّاق، يصبح الذي يختلط وجهه بوجوه الموتى، خالدًا وهو حيّ!"

،


النصّ أعلاه لـ ميلان كونديرا يتحدّث فيه عن فرانسوا ميتران وهو رجل سياسة فرنسيّ، في حفل يلي تسلّمه للرئاسة 

ووسط حشد الجماهير والصحفيّين أمسك بثلاث وردات وخرج عليهم،
من بين قبور الموتى الأبطال، ليوزّعها على القبور المُختارة..


المشهد المُملّ "مشهد المتسلّقين" يعيد تكرار نفسه باستمرار؛ يومًا باسم الشّهداء..
ويومًا باسم المستضعفين والبسطاء، ويومًا باسم القيم أيضًا

وبعيدًا عنه بعض الشيء
طلب الخلود في الأذهان يتمثّل كأسمى غاية يطمحُ إليها الإنسان، ومنه خلود الذكر والأثر "دنيويًّا".. وقد يكون هو المحرّك الأساسيّ للسّعي والعمل،
هذا لا يمكن اعتباره خطأ محضًا، وليس بالضرورة صائبًا وصادقًا دائمًا..
حين يطلب الخلود لذاتِهِ، ويكون شرطًا للعمل.. حين يؤطّرُ كل هذا برؤية نفعيّة بحتة تختلط بالدّوافع وتعتبرُ كل ما يحقق لها ذلك وسائل عبور مجرّدة.. وظيفتها محدودة، تضمر حقيقته السّامية وتضيع!


.

أيّامٌ جديدة، مع معهد مفكّر  

Posted by: زَينبْ in



تلك الأيام التي تنعشك، وتعيدُ فيكَ شيئًا من ذاكرة مضى عليها ما يزيد عن خمسة أعوام
بين مقاعد الدراسة.. وقلقها، وتعداد الأيام والثواني قبل هذا الموعد وذلك..
كيف تنجز في الوقت المطلوب، وكيف الجدّ والسّهر على كتاب لا تقرؤه لتفرغ ما فيه في ورقة ما..
ثم تملّ ولا تفكر بالعودة إليه!

بل تقرؤه لأنّكَ تبحث عن شيءٍ، تكوّنُ منه فكرة .. تلك الفكرة التي تقودكَ لمزيجٍ من الأفكار التي تتصارع وتختلف وتلتقي في الوقت ذاته.
كلها أمور افتقدتها كثيرًا، وعدت لأمارسها دون القيود السابقة، مع معهد مفكر


منذُ أن سمعت عن المعهد في برنامج علّمتني الحياة لـ د. طارق السويدان، وأنا أفكر ماذا لو كنت؟ ماذا لو التحقت؟ وهل سأستطيع؟

ويوم بدأ الإعلان عن المعهد على صفحات الفيسبوك، وقرأتُ عنه، بدأت أشعر ببعدي عنه.. وصعوبة مقدرتي على الالتزام فيه
لكنني حاولت قدر الإمكان أن لا أجعل الاستحالة هي الفكرة التي أواجهه بها،
وبعد تفكير التحقت وكعادتي قبل آخر موعدٍ للتسجيل.. فجأة!


أعلم جيّدًا أنّ رحلة الفكرِ طويلة وأنها تحتاج عمرًا بأكمله،

وتعتمد على مقدرة الفرد وتحمّله لمشاقّ هذا الطّريق، لذلك لم يكن هدفي من الالتحاق بالمعهد أن هذا المسمّى بحدّ ذاته! وإنما لأجد ذاتي أكثر فيه،
ولأضع قدمي على أولى الخطوات التي تنمي فيّ ملكة التّفكير، وحبّ المعرفة،

وبالنّسبة لي مرور الإنسان بتجاربَ عمليّة بمثابة التحدّي الذي يجعله أكثر صدقًا مع نفسه، ولن يخسرَ فيهِ بقدرِ ما يكسب.

والمثير في منهجية الدراسة في المعهد هو دفع الطالب للتعامل مع ما يلجُ ويخرج من هذا العقل بكفاءة أفضل، بعيدًا عن الحشو والإلزام بنمطية معينة في الفكر والتفكير، التي تدفنك أكثر ممّا تحييكَ وتلغي ذاتكَ حين تفرض عليكَ أن تكون نسخة عن إنسانٍ آخر في كل شيء!

،

درسنا في هذا الفصل عن :

- العلمانية، وكان منهجًا دسمًا مع د. رفيق عبد السّلام، حاول فيه الاختصار والشمولية قدر الإمكان بالرغم من أن الموضوع متشعّب ومتشابك.. علمتُ حقًّا كيف تُبخس الفكرة بتبسيطها أو اختزالها بمفهوم جزئي قد لا يعبّر إلا عن جزيءٍ صغير منها! وتعلمت منهُ كيف أن البحث المضني والمتواصل وإن استمر لعشراتِ السنين ماهوَ إلا مقاربة! ومحاولةُ لإيجاد حلول
لا يوجد حل واحد قطعيّ يمكنُ أن يجزمَ به المرء ويظلُّ - بذات الفهم والرّؤية - صالحًا لغيرِ زمانِهِ.

- الفقه السياسي مع د. محمّد الشّنقيطي، كل ما أريد قوله هو أنّها أفكار صادمة تمامًا بالنّسبة لي ربما هي المادّة التي أخذت الكثير من الوقت في الاستيعاب، ومحاولة ترتيب الأفكار لدى من لم يقرأ يومًا في السياسة كعلم، حمّستني ودفعتني للقراءة في السّيرةْ وتأسيس الدولة المدنيّة بشكلٍ مُغاير.

- النهضة الحضارية مع د. جاسم السلطان، المادة المُنعشة،
الأذكى في طريقة الطرح إن صح أن أقول ذلك!

فما إن تنهي من سماع المحاضرات وهضمها، والاطلاع على المرجع الأساسي المحدّد حتى تشعر أنك بخير، ثُمّ تُفاجأ بأنّك لا تستطيع الإجابة على أسئلة البحث إلا بالتنقيب العميق في مراجع أخرى ومحاولة تفكيك الأفكار والخروج بفهم مبسّط، هذا الفهم أيضًا كان بحاجة لفهم!

- مادة فقه الاختلاف مع د. عصام البشير،  محاضراتها كانت سلسلة وجميلة إلا أنها احتاجت لقراءة وتوسع في المراجع.

- الواجب الفكري، هي المادة الأعمق أثرًا حتى الآن، فمحاضرات د. حسن بن حسن تضمّنت العديد من الأفكار التأسيسيّة المُرشدة لبداية الطريق.. وتحديد معالم المسار الذي نرغب في خوضه بأنفسنا.


بحمد الله سلمت الأسئلة البحثيّة،
كانت المرة الأولى التي أقضي فيها أواخر رمضان والعيد في بحث واعتكاف متواصل على الكتب!

وأحزنني أن الوقت الضيّق لم يسعفني في تقديم كل المواد،
وسأحاول في المرات القادمة لو تيسّر لي الإتمام أن أتلافى الأخطاء التي وقعت بها:

- تأخر بدئي في حل أسئلة بعض المواد على حساب أخرى - سحرتني وأخذتني بعيدًا معها -!

 
- عدم الاعتماد على نسخ الكتب المتوفرة إلكترونيًّا، توفير النسخ التي عليها حقوق مطلوب لكنه يمكن أن يكون في وقت لاحق، فندرة المراجع لدينا كانت أكبر عائق واجهني وأخّرني عن البحث.

 
- تأمّل الأفكار الكليّة بموازاة معرفة التّفاصيل الجزئيّة، وتشكيلها حسب الفهم والرّؤية،
لأنّ الغرق في التفاصيل دون تدوين الأفكار الأساسيّة لا يمكّنك من التقديم لأي موضوع والعرض عنه بطريقة مختصرة ومفيدة، بالتّالي يصعب عليك صياغة المبحث المطلوب برؤية دقيقة وشاملة في الوقت ذاتِه.



- الاطلاع على الأسئلة واستيعاب المطلوب منها قبل تلخيص المحاضرات، وتدوين أفكارها الرّئيسيّة التي بحاجة لبحث، ثم القراءة في المراجع وصياغة الإجابة.

التّجارب الأولى، دائمًا ما نعجزُ عن استيعابِ مرورها سريعًا، 

ونتمنّى لو نعودُ للوراء ونستمتع بكل لحظاتها ونقدّرَ كل درسٍ فيها وفكرة.. موقفٍ وكلمة،
لذلك دائمًا ما أحرص على تدوينها : )




. . . . .

أشكرُ القائمين المعهد، ومديرنا أ. عبد العزيز العوضي على تعامله الرّاقي ومرونته،
ولأصدقائي في المعهد، على الروح التي أُكبرُ فيها الطّموح، فما إن تقترب منها حتّى تملؤك نفحات الأمل والتّفاؤل..
ولوالدتي - حفظها الله - التي تحمّلت تقصيري، وأخي وأخواتي على دعمهم وتحمّلهم
أسأل الله أن ييسر لنا طريقنا ويرزقنا علمًا ينهضُ بنا وننهضُ بهِ.





لحظات فقط، تشغلنا عن الأمل! (قصة قصيرة)  

Posted by: زَينبْ in



الدقائق والساعات تتسرّبُ من بين عقارب ساعته بجنون..

لم يدركْ أنّ ليلة البارحة كانت أشبه برشفةٍ من كوبِ ماءٍ ساخن لا يكاد يرتفعُ ليلامسَ شفتيهِ حتّى يدفعهُ عنه بصورة تلقائية!

أن الشهر الذي مضى كان كصباحٍ ناعسٍ قضاهُ وسط ضجيج أعماله، يُجهزُ عليه التّعبُ كلّما رفع رأسه من بين أكوام الورق..

أما العام فلم يبصرهُ حتى ودّعَه، وكلّ ما تبقى في ذاكرتِهِ منهُ صورٌ وأحداث، ابتسامات وبكاء.. وليلة زفاف نسي أغلب ملامحها.

التفتَ من حوله .. لا أحد يرافقه في هذه الليلة المخيفة المُعتمة إلا من ضوءٍ خافت.. خيّل إليه أنّه ينبعث من عينيهِ لا أكثر!



الرياحُ شديدةٌ جدًّا، تمنعه من تحسس صوت الخطوات البعيدة أو القريبة..

قرر أن يركضَ حتى لا يدركه الوقت فيجب أن يصل إلى طرف المدينة النّائية، فلم يعد النّاس يقطنون إلا على أطرافها

ولربما يجد هناك من يدلّه على محطّة قطارٍ قريبة..



نظر إلى الأمام،كان الأفق يجتمعُ في ضوءٍ خافت بعيد.. كضوء شمعة

مع تقدم خطواته بدأت الصورة تقترب شيئًا فشيئًا.. مجموعة أشخاص يركضون بهلع.. يتسابقون

يتكوّرون في معاطفهم الطّويلة خشية أن تجذبهم الرياح إلى مكان آخر، أصبح وقع الخطوات أقرب فأقرب

لكنه ما إن يقترب من أحدهم حتّى يهربَ منه جزعًا!

أحس فجأةً أنّهُ على حافّة موت، أو أنّ خطرًا قادمًا جعلَهم كالفرائس الشّاردة



صرخ بوجهه أحدهم.. لا تمد يديكَ هكذا.. ستقتلعها الرياح!

أراد أن يستمع إليه بوضوح أكثر فاقترب وهو لا يكاد يشعر بقدميه  رغم أنهما كانتا تدفعانهِ إلى الأمام بقوّة

أعد ما قلته! تأخّر الرجل عنه بعدّة خطوات كأنّه يتحسس شيئًا ما في جيبه، مدّ يديه مرة أخرى للوراء..

أعد ما قلته لي، هل تعرف طريقًا أخرى لطرف المدينة غير هذه؟



شعرَ لبرهة أن الزمن من حوله توقف، عقارب الساعة تشير إلى الثالثة قبيل الفجر، وهو يحدّق فيها دون حراك

 اصطحبته بعض الذكريات بعيدًا، تذكر أخاه .. وكيف أنّ البحرَ ابتلعهُ في ثانية

كان يمدّ كلتا يديه، إحداهنّ ليمسك بطرف المركب والأخرى ليسعفَه، ومسافة التفاتةٍ فقط

كانت بينه وبين الموجة العاتية التي جرفت أخاهُ للنّسيان



استيقظَ فجأة على وجع جعله يصرخ بكل صوته.. الدموعُ تجمّدت في عينيه من شدّة الألم

شعر أنّه فقد الإحساس بجانبه الأيمن.. في تلك الأثناء عاد الرجل ليدفعه بقوة للأمام.. أجننت!

أخبرتك أن تكمل طريقك وإلا ستموت!



تمكنا بصعوبة من الانحدار لشجرة راسخة تجمعُ بعض الضّوءِ من مصباحٍ صغير عُلّق على أحد الجدران

كان يلتقط أنفاسه، ويرفع يده اليسرى بتثاقل، يتحسّس جانبهُ الأيمن المنهك تماما

قبضّ يده على صدره ثم شهق بقوّة!

أخبرتكَ أن الرياح ستقتلعُ يدك.. من الجيّد أنها لم تقتلع شيئًا من جسدك، سأساعدكَ في الخروج من هنا



ولكنني تركته يغرق.. تركته للموت! ..

-         ماذا؟

-         هناك.. حيث كنا في نزهة الصيف على القارب مع والدي

-         من هو الذي مات؟

-         أخي علاء..



نظر إليه الرجل بصرامة: لاوقت لدينا!

سوف تمضي معي في حين تحدّثني عنه، حدّثني عن طفولتكما.. حدثني عن كل شيء

ولا أريدكَ أن تذكر لي القارب أو الغرق.. أفهمت؟

-بصوت مرتعد: حسنًا

وكذلك لا تلتفت إلى الوراء وتحدّق في الفراغ كالأبله كما فعلت قبل قليل، وإلا سأضطر للمضي وحدي..

(قالها مبتسمًا) فشعر ببعض الرّاحة وأومأ برأسه..



نهض وكأنّ الألم يتساقطُ من كل خليّةٍ في جسمه

تسارعت خطاه وهو يتحدّث عن المدرسة وعن سخافة بعض المعلّمين وسذاجة الطلاب،

عن سباق الدراجات في باحاتها الخلفيّة

عن المسرحيّات التي كانا يتدربانِ عليها أيام الخميس في فناء المنزل،

يتسللانِ ببطء على أطراف أقدامهما خشيةَ أن تستيقظ والدتهما وتعيدهما إلى الفراش..



عن الربيع الأخير؛ ذلك الذي اصطادَ فيه أخاهُ أربعَ فراشاتٍ ليرسمها، ثم أطلقاها معًا في مرجِ الزّهور..

عن المطر الذي لطالما شربَا منه وهما يلهوان..

عن قوسِ قزح الذي يصرُّ علاء أنّه سيتسلّقه عندما يكبرُ ويصبح طوله كشجرةِ البازلّاء..

عن البحر والأمنيات التي أحبّ دائمًا كلما سأله والده عنها، أن يهمسَ بها في أُذن صدفة ..

وما إن يفعل حتى يغرق الجميع في الضّحك



لم يعد يشعر بوعورة الطريق.. لم يشعر حتّى بوجعه.. بيده اليمنى التي احمرّت دماءً بعد أن اخترقها غصنٌ طائشٍ وسط العاصفة

لم يشعر بأي شيء.. حتى الوقت الذي كان يلاحقُهُ مُنذ البداية، كل ما كان يراهُ هو الضوء المشرق الذي سيحرّره في النهاية

الضوء الذي يشبه وجهَ أبيه المبلل بوضوءِ الصّلاة.. يشبهُ خصلات شعرِ أمّه التي تداعب خدّيه كلما ارتمى في حضنها..

يشبُه ضحكة علاء الصّاعدةِ إلى السّماء.. بألوانِ الطّيف



تبسّم في وجهِ صاحبهِ الذي بادله بابتسامة أخرى قائلًا.. "لحظات فقط، تشغلنا عن الأمل..

أردف قائلًا: هي ذاتُها الآن.. تفصلنا عن غاياتنا..


..



5\4

{ نَاجِ الحمَامْ }  

Posted by: زَينبْ in


ناج الحمامَ فطيفُ الرّوحِ يَسمعُهُ
ناجيهِ فجرًا فلحظُ الليلِ يُفزِعُهُ

ناجيهِ واسأل عن الأنسامِ هل شرُفَتْ؟
من البعيدِ أم انسابتْ تودِّعُهُ

أم استكانتْ لصفعِ الرّيحِ واجمةً
كأنها الموتُ يجثو، وهي تتبَعُهُ

ناجِ الحمامَ وسلْ عن ضيءِ مُهجتِنَا
كم زاورَ الفجرَ حتى بانَ مِخْدعُهُ

عاصٍ على الوهنِ مهمَا زاد سِطوتُهُ
يحثو الخطى، وطويلُ الدربِ يقطَعُهُ

يُساهرُ الليلَ والأقمارُ شاهدةٌ
تشعُّ أُنسًا إذا جافاهُ مضجعُهُ

تناثَرَ القلبُ في معراجِهِ جَذِلًا
وسط الدّياجِي وضوءُ الأفقِ يجمعُهُ

ما أثقل البينَ لو يأتيكَ مُحتكمًا!
ما أضعفَ المرءَ لمّا يأتِ.. يُفجِعُهُ

قد كانَ يلهجُ بالتسبيحِ منصرفًا
للهِ، كلُّ خلاياهُ وأضلُعُهُ

وغادرَ الجسم، ها قد حانَ موعدُهُ
وكلنا لإله الكونِ مرجِعُهُ

الرّوحُ تصعدُ للباري على مهَلٍ
كالطّيرِ لمّا جناحُ الشّوقِ يرفعُهُ

ما كنتَ تعلمُ إذ تلقاهُ منطرحًا
قد يخطئُ المرءُ يومًا ما يروّعُهُ

نستودعُ الله روحًا لا تُفارقنا
نستودعُ اللهَ من في القلبِ موضعُهُ 

يسّاقطُ الوجدُ كلًّا من محاجرِنَا
لا ضيرَ! فالموت بأسٌ لستَ تدفعُهُ

بعض الدموعِ عطايا لستَ تُدركها
لا يشقَ بالصّبرِ من قد كان يجرعُهُ!

لو أنّ حسبكَ غيرَ اللهِ ما برحَتْ
عن الفؤاد جراحاتٍ توجِّعُهُ 


يا ريحَ مكّةَ مُرّي صوبَ باحتِنَا
ألقِي السّلامَ على قبرٍ نُشيّعُهُ

وخبّئي العطرَ بين الغيمِ والنّسَمِ
فذلك تربٌ زكيُّ المسكِ أضوعُهُ!


لله قلبُ الوفا ما زال يذكرُهُ
كالصبٍّ يخلُدُ من ماضيهِ أروعُهُ 

ذاكَ البهاءُ تسَاقَى الغيمُ موردَهُ
كأنّهُ النّهرُ دفّاقًا.. وأفرعُهُ

ارفع صلاتكَ للمولَى موشّحةً
ثوبَ اليقينِ فلا ريبٌ يُزعزعُهُ

واستمطرِ الشوقَ للقيا فجنّتُهُ
خيرُ المتاعِ ومن ذا عنكَ يمنعُهُ

لا يصرفُ المرءَ عن أقدارِهِ حذَرٌ
كلا ولا محضُ إرثٍ كانَ يجمعُهُ

رباه قد رحل الغالي جواركمُ
ربّاهُ فاجعلْ جنانَ الخلدِ موضعُهُ

متّعهُ في نزلِ الفردوسِ مكرُمةً
أنتَ الجوادُ ومنكَ الفضلُ نضرعُهُ



من وحي الفقد!
27/12/1431
3/12/2010

على مشارف السّماء ..  

Posted by: زَينبْ in

ليس بالضرورة أن تكون هناك، لأجدك!
ثمّة أشياء أن تجهلها خيرٌ من أن تعلمها، فعلمكَ يعطيكَ الأمان من أن تفقدها
وجهلكَ توقٌ يولد بك الشغف ويعلّمكَ كيف تعبُر بأملكَ المسافات.. يعلمكَ لذة الوصول

 ،

قلت يومًا أن العمر مساحات انتظار
 الانتظار يعني ألّا نفعلَ شيئًا
كمن يسكبُ الحبرَ بلا معالم، أو أنيتركَ الصفحاتِ بيضاء ..
تُذرّ عليها رمال الذاكرة، أو توهنها صفرةُ الخريف!
الانتظارُ فراغٌ صامت يقتُلُنا، ومن لا يكرهُ المساحات الفارغة!

،

لا بأس لو بكيتك يومًا، فأنا أحب تلك اللحظات التي أحيا فيها كغيري
وغيريَ إنسانٌ كأنا




بعض الأبوابِ الموصدةِ توصدُ بلا دليل..
بلا أثرٍ يُقتفى.. كمتاهات الذّاكرة المُضنية، السّائرُ خلفها كالسّائرِ على خطى الماء، لا يهتدي لو ضلّ!
هي وحدها الأحلامُ الكبيرة تبقى مشرعةَ الأبوابْ، وأعظمُ باب لها السّماء!
والمنافذُ إليها وإن أُوصدتْ فمن ورائها الكثير ممّا تُخبّئُهُ حكمُ الأقدار..


ليس بالضرورة أن أظل هنا، لتجدني..
مفتاحيَ القديمُ الذي تعوّل عليه كثيرًا، أضعته
فلا تحاول الاقتحام، مفتاحي القديم الصّدئ
كف عن محاولة البقاء لأنّه يعلم أنّ ما بداخلي أثمنُ.. لا يصدأ

لست نادمة على شيء،
ولستُ شغوفة بالانتظار.. تعلّمتُ أنّ ما يبلى، في فقدهِ عزاء
والعزاءُ أن تمضيَ في سيركَ غير آبهْ
تعلّمتُ من توالي النّعم أنّ الأَشياء الباليةَ لن تكونَ أكثر جمالًا من الآتي



.

.. العيدُ لا يَأتي إلّا بخير }  

Posted by: زَينبْ in


العيد لا يأتي إلّا بخير



أتي العيد,

بضحكةٍ بريئة لا تأبه لماذا.. وكيف!
بسلام فرح وقورٍ أحبُّه،
بعينين تحملان ألق الكونِ كلّه.. اعتدت أن أستقبل بهما العيد في فلكي الصّغير!

بألوانٍ تعترك فيها معانٍ أجهلها، وأحب أن أكتشفها .. ونفسي كل يوم!




وقبل صباحهِ لم يكن الليل صامتًا أبدًا،
كان يوشوش للقمر ويسامره بحنان، على غير عادته.. ويبتسم
لتنعكس بهجته على الدنيا صباحًا، دافئًا.. كقلب أمّ!
الأرض تبتهج.. الطيرُ يبتهج، يبتهلُ لله ويسبّحه
 فيتناغمَ صوته مع أصوات التكبير "الله أكبر.. الله أكبر"، ويا لشوق الحجاج في بقاع الطهر لهداياهم!

الله أكبر من كل شيء
أكبر من الهم الذي نحمل.. أكبر من بشر يعيث في الدنيا قسوة، وظلمًا، وخبثًا!
أكبر من القيد الذي كبل الأجساد والعقول والقلوب الحائرة ..
الله أكبر من الأسى الجاثم على صدرِ الكون!
من إذا وعدَ كان أوفى وأوفى، وكم وعد المؤمن المخلص بالبشرى.. يزجيهِ بعضًا منها كل حينٍ وآن
ليزداد شوقًا للبشرى الخالدة في الجنان!
الله ربّ العطاء.. من هداياه لا تساوى بأي شيء
ولا يسعها كل شيء، فكيف تغيض الفرحة في عيدٍ من رب الفرح!
من إذا وهب الإنسان وهبهُ كل ما لا يستطيع! وفوقَ ما يتصوّر!


للعيد بهجة لا نخلُقُها، وحتمًا لن نختلقها! ويصعب علينا أن نفتعل ذلك في كل مرة،
فالحُبّ فيه أًنقى، والشّوقُ فيهِ أصدق، والهجرُ فيه بابٌ لجمالٍ آخر تفتح عينيكَ عليه!
هو فرحةٌ علويّة يودعها الله صدورنا، سرًّا من أسرار الحياة!
العيد دواخلنا، وجمالها الصّامت.. العيد نحنُ حين نملكُ أن نكون، حين نهبُ الجمال مساحةً ينطق بها.. بعفويّة
العيد حين نريده، أنسٌ سماويّ خلّاق .. يخلع عن الكون أحزانه.. ويغسلُ سواده

العيدُ لا يأتي.. إلا بخير
كل عام والعيدُ أنتم ( :